خطر يهدد الوظائف الإبداعية

شارك
القصيدة
شارك
التدوينة
تم

مع اندلاع ثورة التسويق الرقمي، استطاعت الشركات التسويقية الناشئة، تغيير قواعد اللعبة، مستندةً على كفاءات سعودية واعيةٍ بالثقافة المحلية ولغة خطاب المجتمع، ومهتمة بالحركة الريادية، ومندفعة نحو تغيير السوق المحلي بجرأة أكبر.

هذا المجال الغضّ عمرًا والغنيّ تجربةً والأكثر نموًا، أسهم في نشوء العديد من الأدوار الوظيفية التي فتحتْ الفرص أمام الكثيرين، ممن يراهنون على الموهبة والحس الإبداعي. مجالات متعددة في التسويق الرقمي خلقت شواغر وظيفية، وباتت مرغوبة في الأسواق العالمية والسوق السعودي الذي يحتلّ مرتبةً عليا في استخدام المنصات الرقمية.

من هذه المجالات: إدارة حسابات المنصات الرقمية، كتابة المحتوى، التصميم الجرافيكي، منتجة الأفلام، إعداد وتحليل التقارير، استراتيجيات التواصل والظهور، خدمة العملاء الرقمية، صناعة أفكار الحملات الإبداعية وابتكارها، وأكثر من ذلك.

وكان للابتعاث الدراسي فضلٌ على تطوّر هذه الصناعة. فقد عاد كثيرٌ من المبتعثين مُحمَّلين بأفكار جديدة، فتعلموا فنون التسويق، وغيروا مفاهيمه، فالتسويق أشمل من بيع المنتج، وأعمق من عبارة إعلانية، وزادهم توسعًا انفتاحهم على لغاتٍ أخرى ساهمت في متابعة جديد العالم.

تهديدات تواجه الشركات التسويقية

ما نشهده حاليًا في الجهات الحكومية من تنافس محموم في الجهود الاتصالية والحملات الإبداعية، مشهدٌ رائع يواكب المرحلة التي تشهدها المملكة. وبطبيعة الحال، تتعاون معظم الجهات الحكومية مع شركات سعودية كُلياً أو جزئياً في إدارة حساباتها على المنصات الرقمية، وإطلاق الحملات الإبداعية، وغيرها من الخدمات التسويقية.

لكنَّ كثيرًا من الجهات، والحكومية خاصة، باتت تستقطبُ من هذه الشركات التسويقية موظّفيها المبدعين خاصة المصممين وكتّاب المحتوى، وتوظفهم لدى الجهة لإدارة علاقات العمل بين الجهة الحكومية والشركة التسويقية التي تنفذ أعمالها، دون استغلال قدراتهم الفنية التي أغرتْ الجهة باستقطابهم بعروض ومزايا وظيفية مغرية.

وبطبيعة الحال، لا يُلام الموظف في قبوله العرض الوظيفي المُتفوّق بمراحل على وضعه الحالي، خاصة إن كانت الجهة التي وظفته حكومية، وتوفر له راتبًا أعلى وتأمينًا صحيًا مميزًا، وكثيرًا من المميزات المغرية.

وبدلاً عن الاستفادة من المنفذين الإبداعيين، بحسب قدراتهم، تورثهم الوظيفة الإدارية الكسلَ والاتكال على الشركات التي يتعاقدون معها لتنفيذ أعمالهم التسويقية، إضافة إلى فقدان الشركة التسويقية كفاءةً تتطوّر كل يوم بفضل الأعمال المتعددة مما يؤثر على عملها سلبًا.

كيف يحدث ذلك؟

شركة ما، توظّف حديثةَ تخرج، بوظيفة كاتبة محتوى، وتدرّبها على الأعمال وتفتح لها نافذةً للتعلم ومعرفة عمل السوق، وتستفيد الشركة كذلك من تلك الكاتبة. تتعاقد هذه الشركة مع وزارة حكومية، وتُعيّن هذه الكاتبة لإدارة محتوى منصات الوزارة، فيُعجب بعملها المسؤولون بإدارة التسويق في الوزارة، ويستقطبون الكاتبة بمزايا مغرية (سواء خلال سريان العقد بين الوزارة والشركة) أو بعد انتهاء العقد. تذهب الكاتبة إلى الوزارة ولا تُلام على تحسّن وضعها الوظيفي، لكن مديرها لا يستفيد من مهارتها الفنية كما يجب، فتتعاقد الوزارة مع شركة تسويقية ويُطلب من هذه الكاتبة عمل إداري بالتواصل والإشراف على مخرجات الشركة.

لكن ماذا عن مهارة الكاتبة؟

تبهت مع قلّة العمِل التنفيذي وكثرة العمل الإداري. أما الشركة التسويقية، فقد خسرتْ كفاءة ناشئةً كانت تساعدها في نموها الاقتصادي الذي يحرك عجلة الاقتصاد الوطني، ويُسهم في خلق شواغر وظيفية بمتطلباتٍ ومعايير أسهل من الجهات الحكومية، ويقلّل جودة المخرجات الفنية مع تحويل التنفيذيين إلى إداريين.

إذن ما الحل؟

ليس في يدي حل سحريّ أو عملي لهذي المعضلة، لكن لنفكر بصوتٍ عالٍ: ماذا لو تعاقدت الجهة الحكومية مع الشركة التسويقية على توفير كفاءات يعملون لديها، وأن تمنح الجهة الحكومية بجانب دفع رواتبهم، المزايا التي يحصل عليها الموظفون في الجهة ذاتها؟

هنا ستضمن الشركة سير أعمالها وقدرتها على تحصيل الأرباح بتوظيف هذه الكفاءات، وكذلك تحد من التسرّب الوظيفي، ومن ناحية أخرى يتحقق للجهة وجود هذه الكفاءات في مقرها، وتضمن الكفاءات ذات المزايا الوظيفية لكل العاملين في هذه الجهة.  

نعم، هناك عقود بين الجهات الحكومية والشركات بندها هو توظيف الكفاءات، لكن المزايا الوظيفية حسب هيكلة وقدرات الشركة، لا على مزايا الجهة الحكومية والتي عادةً تتفوق على الشركات.

خاتمة للتبرئة

على كل حال، فالموضوع متشعب، وأكبر من أن يُعالج في مقالة موجزة، فللموظف حقٌ وللشركات حقٌ وللجهات حقٌ، ولكني في هذه المقالة رغبت أن أعرض معاناة الشركات الناشئة والتي أثبتت تميّزها، آملاً أن تتوحد الجهود للحد من قتل المبدعين وتحويلهم إلى إداريين، حرصًا على استمرارية التطوّر الباهر في إبراز الجهود الاتصالية محليًا ودوليًا بكفاءاتنا السعودية.

عبدالله الفارس
متخصص في المجالات الثقافية، وتعزيز العلامة الشخصية والوطنية